كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في جلسة افتتاح الدورة الرابعة للمؤتمر العام للأحزاب العربية

القى السيد الرئيس بشار الاسد كلمة سياسية شاملة فى افتتاح الدورة  قال فيها :
 

السيد الامين العام..

السيد رئيس المؤتمر..

السادة الامناء العامون..

السادة أعضاء هذا المؤتمر.. أيها الاخوة..

 

أرحب بكم في سورية.. سورية التي يطلق عليها الكثير من العرب اسم قلب العروبة النابض.. وإذا كان للقلب أن ينبض.. فلابد له من دماء.. وأنتم الدماء التي أتت من مختلف أنحاء الجسد العربي حاملة معها كل العناصر العربية الغنية.. والغنية جدا.. المتواجدة في أنحاء هذا الجسد والتي تعطيه القوة والمناعة بارتكازها على شيئين أساسيين الأول وهو الاسلام بارتباطه الوثيق والمتين بالعروبة وبارتباط العروبة الذي لا ينفصل عن الاسلام.. الثاني وهو المسيحية التي انطلقت من بيننا وانتشرت عبر العالم بلهجة عربية هي الآرامية... وأود أن أشكركم على قراركم بعقد هذا المؤتمر الهام جدا في دمشق دعما لسورية وللبنان.. وهذا يدل على أن القيادات والتيارات والقوى السياسية في الساحة العربية واعية تماما ومتيقظة لما يحاك ضد الامة العربية من مؤامرات.. واختيار عنوان للمؤتمر.. دعم سورية ولبنان.. يكرس حقيقة راسخة نؤمن بها في سورية كما تؤمنون بها..

وهي أن سورية ولبنان بلدان شقيقان لا يمكن الفصل بينهما.. وبالتالي التضامن مع أحدهما لا يتم بمعزل عن التضامن مع البلد الآخر.. وهذا يؤدي بالنتيجة لحقيقة راسخة أخرى يدل عليها هذا المؤتمر وهذه المشاركة الكبيرة.. إن ما يحصل ضد وطن من الأوطان العربية أيضا.. لا يمكن فصله عن بقية الأوطان.. وبالتالي ما نراه الآن هو وعي بأن ما يحصل هو مرحلة من المراحل.

الآن سورية ولبنان.. وسابقاً العراق وقبلها فلسطين ولبنان في مرحلة ما.. وستكون هناك أدوار أخرى... كنت قد التقيت مع الامانة العامة.. كما قال الامين العام لثلاث مرات.. وكنا نتناقش بشكل حر وصريح وبالعمق ولساعات طويلة.

وكان دائما هذا النقاش والحوار مفيدا لكلا الجانبين.. ولكنني اليوم سعيد جدا، وسعادتي غامرة بأن أرى هذا الحشد الكبير من القيادات الجماهيرية والسياسية والفكرية في العالم العربي والتي عرفت بدفاعها المستمر والشديد عن كرامة الامة وعن وجودها وعن حقوقها وبعملها الدؤوب من أجل انهاض هذه الامة واستنهاض طاقاتها الكامنة والكبيرة.

سأتحدث الآن عن القضايا المطروحة أمامنا.. وبالنهاية سأترك للامانة العامة ولرئاسة المؤتمر أن تحدد كيفية تلقّي الاسئلة لكي نجيب عن القدر الممكن منها.. ودائما أقول إن زمن اللقاء يتحدد بحجم الافكار وليس بوقت الفراغ المتبقي لأي انسان.. فنحاول أن نملأ هذا اللقاء بأكبر قدر ممكن من الافكار المفيدة.

 

عندما نريد أن نقيم أي حالة عادة نبدأ بالحديث عن العقبات والمصاعب التي تواجه أي حالة.. سواء تحدثنا في السياسة أم في الاقتصاد أم في التكنولوجيا أو في الصناعة.. وأنا أحب دائما أن أبدأ من التحديات.. لأن التحديات هي التي تحدد ماهي الحلول.. فعلينا أن نبدأ منها دائما.. ولو أردنا أن نضع منهجية للحديث.. فسنقول علينا أن نتحدث عن الوضع العام العربي.. ومن ثم الوضع العام بالنسبة لسورية.. ومن ثم ننتقل بالنسبة للقضايا الأخرى.

لكن حقيقة.. من الصعب أن نفصل تماما بين الوضع العام بالنسبة لسورية وأي بلد عربي.. الأمور متطابقة تقريباً مع بعض الفوارق البسيطة.

المصاعب والتحديات كثيرة جدا أمامنا وكلنا نعرف هذا الشيء.. لا أريد أن أتحدث بالبديهيات.. ولكن هذه المصاعب والتحديات عندما تصبح كثيرة ومزمنة عبر زمن طويل.. فهي تتحول الى آلام ولا تعود مجرد مصاعب.. والفرق بين المصاعب والمعاناة والحالة المزمنة نأخذها من الطب.

عندما يأتي مرض سريع ويذهب بسرعة.. ربما لا يترك آثارا.. أما المرض المزمن فيأتي بشكل تدريجي وبطيء وربما لا يذهب ان ذهب.. وتكون آثاره التخريبية أشد بكثير.

ما نعيشه الآن نحن كأمة عربية.. هو حالة مزمنة وليست حالة حادة تراكمت عبر عقود من الزمن وتحولت الى آلام. هذه الآلام نشعر بها في كل جلسة على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي وعلى أي مستوى وضمن أي شريحة.  ولو قلنا ماهي أهم هذه المصاعب والمعاناة التي نشعر بها كمواطنين. وأنا الآن لا أتحدث كرسمي.. سيكون هناك مزيج بين الرسمية والمواطنة في حديثي.

أولا، المآسي التي لا تنتهي التي تمر على الامة العربية والتي..  على ما يبدو.. الكثير من العرب ليست لديهم رؤية كيف تنتهي.. وهذه من النقاط التي يجب أن نضع لها تصورا كأحزاب رؤية سياسية .

النقطة الأخرى هي القاعدة الشعبية التي تشعر بالخزي والعار نتيجة الكثير من المواقف السياسية وردود أفعالنا تجاه طروحات معينة.. تجاه أحداث معينة.. وتجاه قضايا معينة لا ترقى الى مستوى طموحات الشارع العربي. والحقيقة ان كلمة لا ترقى هي كلمة ملطفة.. هي بعيدة جدا عن طموحات الشارع العربي، وربما معاكسة له بشكل كامل. الخوف من المستقبل وما يحمله من احباط وما يعني كلا الأمرين من شلل..  شلل في وضع الرؤية في التفكير.. وشلل بالتالي في التحرك. الضعف العربي العام ينتج عن مؤامرات خارجية وينتج عن قصور ذاتي..  هذا القصور الذاتي له عوامل وأسباب كثيرة. ولكن أسوأ الاشياء التي يمكن أن يبتلى بها شخص أو مجموعة أو جماعة هي القصور في الرؤية.. وأخطر هذه المعاناة هي تكرار التاريخ بكل تفاصيله على الساحة العربية.

نلاحظ أن التاريخ يتكرر منذ عقود، على الاقل منذ قرن.. لكي لا نعود الى أبعد من ذلك.. بكل تفاصيله وما يتبدل فقط هو الاسماء.. وهذا دليل خطير على أن المجتمعات لا تتطور. التاريخ يتكرر صحيح.. ولكن بتغيرات معينة. من غير المعقول ان نسقط بنفس الفخ وندفع نفس الثمن في كل مرة.. وفي كل مرة يكون الفخ أعمق والثمن أكبر.

ما يتعلق بسورية ربما يختلف قليلا من خلال معاناة سورية كأي بلد يكون كرأس حربة من خلال موقعه الجغرافي ومن خلال دوره التاريخي.. ولكن أريد أن أمر على نقطة تخص سورية تحديدا.. وأنا أقول ان هذه النقطة ليست معاناة.. بل هي ألم.. ونتحدث دائما في سورية عنها بألم وبمرارة وهي سوء فهم الموقف السوري من قبل الكثير من دول العالم.. ولكن ما يعنينا تحديدا هو الدول العربية والشعوب العربية أحيانا.. والقوى السياسية العربية بشكل خاص.. وأنا الآن أريد أن أدخل مباشرة على الامثلة كي نتحدث عن الواقع ولا نضيع الوقت في الحديث العام.

فكما قلت.. الألم الذي نعاني منه في سورية هو دائما فهم الموقف السوري.. ولو أنه يفهم لاحقا ولكن متأخرا أي بعد فوات الأوان.. وبعد أن ندفع الثمن.. وسنعطي أمثلة.. موقف سورية من الحرب العراقية الايرانية.. عشر سنوات ونحن ندفع الثمن من حصار وانتقاد وهجوم عربي شرس.. ثماني سنوات حرب وسنتان حتى حصول الغزو العراقي للكويت.. بعد هذا الغزو.. وأنا سمعته شخصيا.. ولو لاحقا.. من المسؤولين العرب.. أن سورية كانت على حق.. وكنا نرى بشكل خاطىء.. سورية.. والرئيس حافظ الأسد كان يقول لنا دائما بأنه سيحصل شيء مشابه ولم نكن نصدق.. لقد كنا على خطأ.. طبعا نحن نقدر هذه الصراحة وهي غير موجودة دائما لدينا في العالم العربي.. نقدر هذه الصراحة وربما نشعر بالرضا أن يقال أننا كنا على حق.. لكن أن نشعر بالرضا شيء وأن نشعر بالسعادة شيء آخر.. لا نشعر بالسعادة لأن الأوان قد فات.. والثمن دفع في المكان الخاطىء وبالمقدار الخاطىء، وربما لا نستطيع في أغلب الحالات وفي معظمها.. أن نعوض هذا الثمن. والمثال الآخر.. هو فوز حماس. كلكم يعرف كم من الضغوط تعرضنا لها خلال السنوات الماضية وكنا نعتقد بأننا نقف مع الشعب الفلسطيني..

لدينا قناعة بهذا الموضوع.. والمؤسف أن الضغط أتى من الدول العربية حول هذا الموضوع.. لا يعنينا الغرب كثيرا من هذه الناحية.. ما يهمنا هو العالم العربي بشعوبه ومؤسساته وحكوماته.. كان الضغط يأتي من الدول العربية حول هذه النقطة.

غزو العراق.. سنتان قبل الحرب ونحن نكافح لنشرح مخاطر هذه الحرب وسنتان بعد الحرب.. الآن بعض الدول العربية التي كانت تتحدث بلغة مختلفة.. تتحدث بنفس اللغة التي تتحدث بها سورية.

كنا نتهم بأننا غير واقعيين.. متشددين.. لا نقرأ الخريطة السياسية.. لا نعرف أن العالم تبدل.. لا نعرف أن هناك قطبا واحدا.. أخشى أن تسألوني سؤالا وتقولوا لي.. على ماذا تعتمد سورية؟.. نقول لكم.. تعتمد على الاتحاد السوفييتي لأنه يقف معنا.  لا أعرف بأن سورية بهذه السذاجة.

على كل الاحوال في ظل هذه الظروف الصعبة كان علينا أن نخوض المعارك السياسية الكثيرة خلال السنوات الماضية.. وكنا خلال هذه المعارك علينا أن نواجه تيارين التيار الأول وهو تيار متواجد في الغرب وعندما أقول متواجد في الغرب ربما يكون في الحكومات.. ربما يكون في الشرائح المثقفة وغيرها.. ربما يكون البعض منهم في دول صديقة.. ربما في دول غير صديقة..

لذلك كلمة البعض هنا كلمة عامة نوعا ما.. ان هذا البعض في الغرب يحتقر الآخر ويزدريه.. وطبعا في مقدمتهم العرب.. ويعتقد بأنه قوة مطلقة  لا يمكن أن تواجه أو تجابه.. وبالتالي علينا أن نخضع تماما له ونوافق على كل ما يقوله وأن نأتمر بأمره حتى ولو كان ضد مصالحنا.. طبعا بالنسبة لهذا البعض المصالح الأخرى غير موجودة.. ليس فقط مصالح العرب  ولا المسلمين ولا الغرب.. البعض منهم مصالحه غير موجودة.

الطرف الآخر، لو سميناه طرفي أو فكي الكماشة.. الطرف الآخر هو البعض في منطقتنا خاصة في المنطقة العربية الذي لا يحترم هويته وثقافته والذي ينبهر بالغرب انبهارا لا حدود له وغير موضوعي.لاشك أنني من المعجبين بتقدم الغرب وبتطوره وبكثير من الاشياء التي تحققت. ولكن إذا أردنا أن ننبهر.. فليكن ضمن حدود المعقول.. وهذا الانبهار بالنسبة لهؤلاء أصابهم بالعمى وبنفس الوقت يشكل لهم عبارة عن تعويض لعقد النقص الموجودة لديهم ويجدون في أنفسهم حالة.. لا أقول قوة.. لانها حالة مسحوقة لا حول ولا قوة لها.

ما هي القاعدة التي كنا نسير عليها خلال هذه المرحلة.. ربما لا يجوز أن نستعمل كلمة قاعدة لانهم سيقولون ان الرئيس السوري أعلن في خطابه أنه كان يتعاون مع القاعدة.  فسنستبدل هذه الكلمة بكلمة أرضية.. وإذا كانت هناك مشكلة في كلمة أرضية.. أرجو أن تنصحوني قبل أن أتابع. إذا، ما هي الارضية التي كنا نسير عليها خلال هذه الفترة0.. أولا وضع عربي متآكل وأحيانا نقول لا يوجد وضع عربي متآكل لأنه لا يوجد وضع عربي بالاساس على الاقل على المستوى الرسمي.. وأنا هنا أفرق بين الرسمي والشعبي. هوية متأرجحة ضائعة بين الغرب وبين الشرق.. بين الماضي وبين الحاضر.. وبين حوارات سفسطائية لا تؤدي الى نتيجة ومعرضة للذوبان بشكل تدريجي وضمن خطة ممنهجة. أيضا على أرضية من نظرة قصيرة الأمد.. وهي إحدى النقاط الصعبة التي كنا نعاني منها دائما في سورية وما زلنا ولو بشكل أقل الآن. يعني هناك مبدأ لدى البعض في منطقتنا.. ودائما نعني أولا البعض من العرب.. ليس بالضرورة أن يكونوا مسؤولين في تيارات مختلفة.. بأنهم يفكرون بأحسن الاحوال أن يربحوا اليوم ويخسروا غدا.. بمعنى، دعونا نحمي رأسنا الآن وما يأتي الله يفرجها.. بهذه الطريقة.. أو ليس علينا الا أن ننتظر.. والحقيقة القدر الآن بالنسبة لهم هو الحالة الدولية والغرب بشكل أساسي. وفي أسوأ الأحوال يخسرون اليوم ويخسرون في المستقبل.

بالنسبة لنا الشيء المنطقي والشيء البديهي أن نفكر أن نربح اليوم وأن نربح غدا.. لكن في أسوأ الاحوال لنخسر اليوم ولكن لنربح غدا.. بمعنى، على المدى البعيد لا يجوز أن نخسر على الاطلاق. وهنا كنا نصطدم مع الكثير من المواقف السياسية الموجودة في المنطقة العربية.

 هذه الارضية وهذه التيارات المختلفة تضافرت كلها لتشكل حالة من الحصار على سورية بهدف ترويض سورية وجعلها جزءا من الحالة السائدة في منطقتنا.. فأولا لن نشكل عقبة في أي مخطط يأتي من الخارج.. ثانيا لن نشكل احراجا لأي قوة من القوى الموجودة في المنطقة والتي تريد أن تسير بانبهارها مع الغرب أو لاسباب أخرى لا نعرفها أو ربما نعرفها ولا نريد أن نتكلم بها.. لن نشكل لهم احراجا عندما نكون جزءا من الحالة السائدة.. وهذا طبعا ما رفضناه بشكل مستمر وبشكل مطلق.

البعض أطلق على سورية تسمية دولة ممانعة.. طبعا ربما يريد أن يمدح أو يقولها بشكل ايجابي. أنا أقول دولة ممانعة تعبر عن حالة دفاعية ثابتة في المكان.. وهذا الكلام لا يعبر حقيقة عن موقف سورية.سورية كانت دائما تتحرك مع الأحداث.. وبتحركها مع الأحداث كانت تفهم بشكل خاطئ.. السبب أن هؤلاء لم يكونوا قادرين على فهم هذه الأحداث.. ولكن لاحظوا بالمحصلة أننا كنا نلتقي مع هذه الأحداث في نقطة ما.. وعندما نلتقي معها ولو بعد فوات الأوان.. عندها يقولون كنتم ترون الامور بشكل صحيح. فعندما لا نرى الأحداث بشكل صحيح لن نفهم الموقف السوري بشكل صحيح.. لذلك يئسنا في معظم الحالات من شرح الموقف السوري وتحولنا لشرح الأحداث وكنا نوفق في بعض الاحيان ولا نوفق في أحيان أخرى.

فإذاً التضييق على سورية بالمحصلة.. بمحصلة هذا الشرح للوضع العربي والسوري.. يستهدف التضييق على سورية التي تهدف لمنع الهيمنة الصهيونية ومن معها من قوى دولية أخرى تستهدف المنطقة العربية.وكما قلت سورية ولبنان مجرد حلقة والحلقات لها مخطط وكل من يقرأ يعرف أن ما يحصل الآن وضع أو كتب في كتب لمنظرين في الغرب.. والبعض منهم كتب بأن العرب يجب أن يتحولوا الى قبائل متشتتة لا يجمع بينها جامع.. هناك طروحات خطيرة من هذا النوع منتشرة في الغرب. حديثنا عن نظرية المؤامرة ليس اختراعا من قبلنا بل هو مكتوب بشكل واضح في أدبياتهم. ان نفهم هذه الصورة العامة نستطيع أن نفهم تفاصيل الموقف السوري من القضايا الأخرى المطروحة. بالنسبة للعراق.. منذ البداية أخذنا موقفا قبل الحرب ومن دون مساومة بأن نكون ضد الحرب.

انطلقنا من مبادىء.. وطبعا مبادىء فيها عواطف طبيعية.. وانطلقنا من مصالح.. وما زلنا اليوم عند هذا الموقف برفضنا للحرب على العراق.. حذرنا من العواقب قبل الحرب.. حذرنا أولا الامريكيين.. كنا نقول لهم سوف تغرقون في المستنقع.. ستنتصرون في الحرب.. لا أحد يناقش انتصار أمريكا في حرب عسكرية.. ولكن بعدها سيكون أمامكم مستنقع خطير.. لن تقووا أنتم ولا كل العالم على التغلب فيه على أي طرف موجود في هذا المستنقع. حذرنا الدول الاوروبية التي سارت في هذا الركب.. طبعا بريطانيا أولا.. حذرنا الدول الاوروبية الأخرى التي وقفت معهم أو الدول التي كانت تقف موقفا ملتبسا.. حذرنا العرب الذين لم يأخذوا موقفا حاسما تجاه تلك الحرب.. والبعض منهم كان يعتقد بأن هذه الحرب محصورة في قضية اسقاط نظام.. وإذا حمينا أنفسنا الآن فليسقط نظام مقابل حماية رأس الأمة العربية. الأمة العربية كلها تسقط.. القضية ليست أنظمة.. القضية قضية دول.. لم ندخل في تحليل هذه الحرب بشكل صحيح.. واليوم ندفع الثمن.

ما قلناه قبل الحرب يحصل في التفاصيل.. ولكن الحقيقة حاولنا أن نبالغ في توقعاتنا بعد الحرب في سورية.. فاكتشفنا بأن النتائج كانت أكبر بكثير حتى من مبالغاتنا بحجم رد الفعل العراقي وبالزمن القصير الذي استغرقه رد الفعل هذا.. أيضا الاسباب.. لن أدخل في التنظير.. الاسباب معروفة وأصبحت بديهية لكل العرب.. اعادة رسم خريطة المنطقة.. وهو هدف معلن. النفط وهو سبب قد يكون كبيرا وقد يكون صغيرا.. البعض ينفي لكن أعتقد هو مغريات لحرب من هذا النوع. اسرائيل تبقى عنصرا أساسيا لكل ما يحصل في منطقة الشرق الاوسط.. الهدف تقوية اسرائيل من خلال ضرب بلد قوي كالعراق.. بلد امكانياته كبيرة جدا.

من جانب آخر.. لا شك أن حرب العراق لفتت الانتباه عما يحصل في الاراضي الفلسطينية من قتل مستمر ويومي أو شبه يومي للاخوة في فلسطين.. وربما يكون هناك هدف آخر هو لفت الانتباه في المستقبل.. وهو ما يحصل الآن في الحاضر.. كهدم الاقصى.. بهدف اختراع هيكل على الطريقة التي اخترعت بها اسرائيل في عام /1948/. كل هذا يجب أن نأخذه بعين الاعتبار. ضرب العراق فيه ضرب للأمة العربية.. لأن العراق بلد غني جدا بإمكاناته الاقتصادية العلمية والبشرية وكخزان قومي واسلامي كبير للامة العربية. كل هذه الاسباب دفعت للحرب. لكن ما هي الاساليب.. وهذا مهم جدا. الاساليب بدأت منذ الحصار بعد غزو الكويت في بداية التسعينيات وتستمر الآن.

المعروف أن الحصار لم يؤثر على المسؤولين الرسميين.. البعض منهم أصبح أغنى بالحصار.. أثر على عامة الشعب وكانوا يغلقون ويصمون آذانهم ويغلقون عينا أو عينين تجاه ما يحصل لمئات الآلاف من الاطفال العراقيين الذين كانوا يموتون يوميا في العراق.

الجوع وعدم الاستقرار هو الاساس الذي اعتمد عليه قبل الحرب.. يعني خلال عقد الى عقد ونصف الى عقدين. الجوع وعدم الاستقرار سيجعل الانسان.. طبعا عندما أقول جوع ليس الجوع بالمقاييس الدولية خط الفقر وما شابه.. ما وصل اليه العراق من جوع وفقر لا يقارن بأي مقياس يمكن أن نقيسه على وجه هذه الارض حتى في دول أفريقيا التي تعاني من المجاعة. هذا يؤدي الى أن يتفرغ الانسان.. كيف يمضي يومه دون أن يموت.وكيف يؤمن تحت الحد الادنى لأولاده أيضا لكي لا يموت هو وعائلته.. يعني لن يفكر بشيء آخر.. يعني بعد عقدين من الزمن سيكون هناك جيل متخلف بدلا من الجيل المتطور الموجود في العراق بعلمه وثقافته. هذه آلية من الآليات.

النقطة الثانية والتي بدأت بشكل مباشر ومنهجي ومنظم بعد الحرب مباشرة هي قتل العلماء العراقيين. من المعروف أن العراق فيه أكبر عدد من العلماء وربما من أفضلهم على الساحة العربية.. فبدأ القتل والاغتيال بشكل منهجي.. ممنوع أن يكون لدينا عقول.. ممنوع أن نتطور.

الجانب الآخر هو خلق فتنة بين العراقيين أو ضرب الهوية.. لنضع الاطار الاهم هو ضرب هوية العراق. كما قلت.. العراق خزان عربي واسلامي كبير.. فضرب الهوية هو الاساس اعتمد على أشياء كبيرة وصغيرة. لنبدأ بالزمن.. بالمتحف.. أيضا سرقة المتحف ونهب المتحف كان ضمن خطة منهجية وليست قضية خارجين عن القانون أو فوضى عامة نسفت المتحف.. كان عملا منظما وتم قص الالواح بأدوات من المختصين.. والبعض يقول إن هناك عناصر اسرائيلية دخلت مع القوات الامريكية.. ولا أحد يستبعد هذا الشيء.. ولو لم يكن هناك أية معطيات بهذا الاطار.حدثت بعدها أشياء كثيرة.. طبعا كلنا يعرف المتحف وماذا يعني تاريخ العراق كواحد من أغنى دول العالم وأقدمها بالنسبة للتاريخ.. وخاصة حضارة ما بين النهرين.. ولاحقا الحضارة الاسلامية وما بينهما.

حصلت لاحقا أشياء أخرى ترتبط بهوية العراق وخاصة الهوية القومية من خلال ضرب البنية الوطنية.. وبالتالي تنزيل.. إذا صح هذا التعبير.. انتماءات الانسان من المستوى الوطني والقومي الى المستويات الضيقة الدينية الطائفية العشائرية وما شابه. لكن أخطر هذه الاشياء التي حصلت.. هي ما حصل مؤخرا من ضرب الأضرحة في سامراء.. وهذه الفتنة وما سبقها من تحضيرات بضرب أشياء تنمي الشعور الديني والطائفي.. كان الهدف منها هو أن هناك هوية واحدة هي هوية وطنية وقومية تجمع العراقيين بمختلف شرائحهم.. طالما بقيت هذه الهوية سيبقى العراق موحدا.. عندما نضرب هذه الهوية سيحل محلها هويات أخرى.. وربما هذه الهويات التفصيلية لن تجمع بين العراقيين.. وبالتالي تكون مقدمة لتفتيت العراق. عندما يكون هناك أكثريات وأقليات في أي مجتمع يعني مجتمعا منقسما.. الاكثرية الوحيدة التي يجب أن تسود هي الاكثرية الوطنية وفي مجتمعات مثل مجتمعاتنا.. الاكثريات القومية بكل عناصر هذه القومية.. كما قلت في بداية الحديث.

لماذا لم يضرب هذا الضريح الموجود منذ حوالى اثني عشر قرنا في منطقة لا تنتمي للطائفة التي يرمز لها هذا الضريح أو هذه الاضرحة.. وكانت تحميها لمدة اثني عشر قرنا0.. يعني فجأة تحول الناس الى طائفيين.. هذا كلام غير دقيق.. ونحن أصحاب ذاكرة.. علينا أن نعرف أو أن نتذكر أن هناك أعمالا حصلت في العراق من قبل قوات الاحتلال وهم متنكرون بزي عربي.. وتحديدا زي عراقي.. وهذا الكلام منذ أشهر قليلة.. هم يريدوننا دون ذاكرة بالمعنى العام.. ولكن على الاقل إذا استخدمنا الذاكرة القريبة سنتذكر هذا الشيء. فإذاً لماذا الآن تضرب.. المسؤولون الاميركيون يقولون إنه لا علاقة لهم. المعروف أن قوات الاحتلال بشكل قانوني.. مسؤولة عن كل شيء.. مسؤولة عن الامن.. عن الاقتصاد.. ومسؤولة عن الخدمات أيضا.. وبالتالي بشكل طبيعي ومنطقي تتحمل كل هذه المسؤولية.ولكن بالعودة لهذه الأحداث.. علينا أن نشكك أكثر في من يقف وما هو الهدف من هذه الفتنة.

أعود وأقول.. إن هدف هذا الضرب أولا خلق فتنة طائفية.. ثانيا هم يعتمدون مع العرب طريقة تدريجية في الأمور. أول مرة قتل محمد الدرة في فلسطين.. قامت الدنيا ولم تقعد.. اليوم عندما نسمع كل بضعة أيام ان اسرائيل قتلت فلسطينيين نقول مسكينة اسرائيل لم تقتل سوى اثنين.. يعني نشفق على اسرائيل لأن الموضوع أصبح بالنسبة لنا كالعادة.. وهم يعتمدون على ضرب هذه الرموز بشكل منهجي وتدريجي لكي.. بالمستقبل.. أعود لفكرة المسجد الاقصى.. عندما يضرب موقع أو يهدم موقع بحجم المسجد الاقصى بحجمه التاريخي والروحي.. سنكون على الاقل قد تجاوزنا مراحل بالتهيئة.. يعني هي قضية جرعات تدريجية لكي لا نصاب بحالة صدمة منذ البداية. فكل هذه الامور تصل في المحصلة الى جانب واحد.

الشيء المضحك في الموضوع أن الاميركيين أقنعوا كل العالم بأنهم لن ينسحبوا من العراق لأن الانسحاب الاميركي من العراق سيؤدي الى حصول فوضى.. يعني الآن في العراق ازدهار واستقرار وأمن مستتب والامور ممتازة بكل صراحة.. لن يكون هناك فوضى أسوأ من هذه الفوضى.. وبكل وضوح نحن نعتقد أن قوات الاحتلال الآن هي أحد أسباب الفوضى عن قصد.. عن غير قصد.. نظرية مؤامرة أو غير نظرية مؤامرة لا يهم.. هي أحد أسباب الفوضى.. وأنا أعتقد أن الانسحاب العاجل لقوات الاحتلال أصبح ضرورة ملحة. وأنا أدعو العراقيين لأن يتوحدوا حول هذه النقطة. البعض منا.. حتى كعرب.. كان يشكك هل يستطيع العراقي الآن أن يقوم بإدارة العراق في ظل غياب الدولة أو فوضى غياب الدولة. نعم بكل تأكيد. أي وضع بعد الانسحاب سيكون أفضل وأقل ضررا وأقل خطرا على مستقبل العراق من الوضع الذي نراه الآن. وندعو العراقيين بنفس الوقت.. وأعتقد بيننا اخوة عراقيون في هذه القاعة.. ندعو الاخوة العراقيين أن يتحلوا بالوعي والحكمة التي تحلوا بها منذ بداية الغزو. منذ اليوم الأول لسقوط بغداد ظهر وعي وحكمة عاليان لدى الشعب العراقي.. هي موجودة ونريد منكم أن تتمسكوا بها بشكل أكبر بكثير لكي نتجاوز هذه المرحلة لأننا نعتقد أن هناك أشياء أخرى مشابهة ستحصل ان لم تنجح.

ما حصل الآن لم ينجح لكن لا شك يخلق حواجز بين العراقيين والوعي والحكمة والحوار المباشر هما الحل لتجاوز هذه الحالة والاهداف المرادة منها. ما هي الأسس التي استندت عليها سورية في تعاملها مع الموضوع العراقي مباشرة بعد الاحتلال. لم نكن نرغب في الدخول في القضايا الداخلية التفصيلية العراقية.. وهي كثيرة. وضعنا أسسا عامة.. أولا وحدة العراق.  ثانيا عروبة العراق. ثالثا أو لا يهم أولا وثانيا وثالثا بالأولويات.. ثالثا استقلال العراق أي خروج القوات الاجنبية المحتلة منه.

أيهما أولا هذا موضوع نتحاور به كثيرا لا يهم. لكن المحاور الثلاثة مرتبطة ببعضها.. ولكن أنا أقول وحدة العراق هي الاساس.. من دون وحدة العراق لن تتحقق الاهداف الأخرى. بنفس الوقت لو بحثنا في وحدة العراق فسنقول ما الذي يوحد العراق.. أولا الهوية وهي تستند الى عروبة العراق والعروبة ليست بمعناها العرقي كما يتحجج البعض.. هي هوية حضارية تستوعب كل العناصر وكل الثقافات.. وكما نعرف وأنتم مثقفون تعرفون أن الهوية القومية ترتكز على عناصر كثيرة.. اللغة والتاريخ والارض والمصلحة المشتركة والرغبة المشتركة بالعيش.. أي عنصر أو عنصرين يلتقيان في هذه الحالة يشكلان قومية وأهمها ربما يكون الرغبة والتاريخ المشترك. فإذاً عروبة العراق هي الجامع لكل الشعب العراقي مع الحفاظ على الثقافات الموجودة بلغتها وبكل تفاصيلها.. يعني من يقول إننا نحن لسنا عربا.. هذا الكلام غير مقبول.. نحن لا نقول له إنك من أب وجد عربي.. بالعكس العرب متنوعون جدا عبر التاريخ من خلال الحضارات الكثيرة التي مرت وهذا التنوع غنى وليس فقرا. النقطة الثانية هي الدستور.. الدستور هو الذي سيهيىء لفتنة من نوع آخر.. إذا كان محل اجماع العراقيين سيستقر العراقيون.. أما إذا كان محل خلاف فسيكون بذرة لفتنة ولحرب أهلية في المستقبل.. نتمنى ألا تحصل. فهذا الدستور هو الذي سيحدد.. دستور العراق عربي وما شابه.. هو الذي سينتج مؤسسات تعبر عن وحدة العراقيين.. تعبر عن العراق ولا تعبر عن طوائف وشرائح ضيقة مهما كبرت ومهما صغرت.. هو الذي سينتج حكومة أو مؤسسات تقوم بالمطالبة باستقلال العراق ولاحقا اخراج قوات الاحتلال.

ثالثا.. الامن والاستقرار عندما يتحولان بعدم وجودهما الى حالة مزمنة.. يصبح من الصعب توحيد الشرائح المختلفة في هذا المجتمع.فإذاً أمن واستقرار العراق ولو أنهما سيأتيان نتيجة عملية سياسية وليس عملية أمنية لكنهما بالمحصلة سيؤديان في غيابهما الى نتائج سياسية سيئة وكارثية على العراق.

ما هي الاجراءات التي حاولنا القيام بها مع العراق خلال السنوات الماضية.. أولا دعمنا العملية السياسية في العراق بمعزل عن وجهات النظر من هذه العملية.. ولكن استندنا في سورية بأن دعمنا يستند الى انسحاب قوات الاحتلال.. وفي هذا الاطار ساعدنا أو دعمنا عملية الانتخابات.. والجزء الذي تم في سورية قدمنا له التسهيلات الممكنة.

من جانب آخر حاولنا كثيرا أن نعزز العلاقات مع الحكومة العراقية.. ولكننا لم ننجح إلا بمقدار بسيط جدا بسبب ضغط الاميركيين.. وواحدة من النقاط كانت محاولة فتح السفارة السورية في بغداد في الصيف الماضي.. وللمصادفة ان الادارة الاميركية أرسلت رسائل لمختلف دول العالم تحثها فيها على فتح سفارات في العراق لأهدافها الخاصة.. طبعا بالنسبة لنا هذا الموضوع لأهدافنا الخاصة أيضا.. يخدمنا لأننا نريد تعزيز العلاقة مع العراق لكي نتمكن من مساعدة العراق بشكل أكبر.. فقمنا بهذا العمل فمنعت الادارة الاميركية في العراق.. منعت المسؤولين العراقيين من استقبال الوفد السوري الذي بقي في بغداد لمدة سبعة أيام من اللقاء بأي مسؤول.. مع أن هذا الوفد مفوض بشكل معلن بالحديث في موضوع فتح السفارة.. العلاقات الاقتصادية.. والعلاقات الامنية التي نتهم بها دائما زورا وبهتانا لأسباب أصبحت معروفة وغير خافية على أحد.مع ذلك أعلنا خلال زيارة  السيد مقتدى الصدر الى سورية منذ أسابيع قليلة وبعد حوار معه بأننا سنقوم مباشرة بإعادة فتح هذه السفارة بعد أن يتم تشكيل الحكومة العراقية قريبا .فإذاً الحل العراقي.. طبعا قبل أن أصل الى الحل.. هناك مؤخرا بدأ يطرح على شكل إشاعة.. ربما لجس النبض.. وهو موضوع إرسال قوات عربية الى العراق. هذا الموضوع طرح منذ حوالى سنتين تقريبا.. ولم يلق آذاناً صاغية. لانعرف الآن إن كان سيلقى. البعض يقول انه سيطرح على القمة العربية المقبلة في السودان.أول سؤال بديهي نسأله هذه القوات تذهب من أجل ماذا.. هل من أجل تحرير العراق من قوات الاحتلال.. بكل تأكيد ليست هذه المهمة التي ستكلف بها أو التي سيسمح لها القيام بها.

فإذا ستذهب من أجل خدمة مشروع الاحتلال أو اخراج هذا الاحتلال من المستنقع الورطة التي يعيش بها الآن.

أنا سألت هذا السؤال لأحد الوفود العراقية التي زارت سورية منذ سنتين فكان الجواب واضحا بأن أية قوات عربية أو أية قوات تدخل الى العراق تحت العلم الاميركي ولو كانت شقيقة سنتعامل معها وكأنها قوات احتلال.. قوات أميركية.

المهم عندما تتالت الطروحات الامنية.. جيش وعسكر وجيش وعسكر وأمن.. هذا يعني ضمن الصورة العامة التي وضعتها اسرائيل في التسعينيات عندما أرادت أن تهرب من استحقاق السلام وطرحت بديلا عن الارض مقابل السلام.. الامن مقابل السلام.. تذكرون هذا الشيء طرحه نتنياهو على ما أعتقد عام /1996/.. الامن مقابل السلام.

طبعا هذه النظرية فشلت أو الامن في لبنان عندما كانت اسرائيل تحتل لبنان من عام /1982/ حتى عام /2000/ فشلت أن تحقق الامن لنفسها لقواتها ولعملائها وحلفائها في لبنان.. كذلك فشلت القوات المتعددة الجنسيات عندما أتت.. فشلت اسرائيل فشلا ذريعا في فلسطين.. وانسحاب غزة أحد الأدلة على فشل هذه النظرية وفوز حماس دليل آخر. فشلت الولايات المتحدة في تطبيق هذه النظرية في أفغانستان.. والآن نرى فشلا ذريعا في العراق.

بعض الدول الاوروبية التي تبنت هذه النظرية أيضا نرى الآن أنها تفشل فشلا ذريعا.. والامن لا يعم معظم دول العالم.. ان ابتعدنا عن كلمة الارهاب بدل أن يعم العالم لأن الارهاب له تعاريف مختلفة.. فعلى الاقل الامن أو الشعور بالامن لا يعم مختلف مناطق العالم.

فإذاً نظرية الامن تحقق السياسة التي ابتدعتها اسرائيل.. فشلت ونسفت.. وعلينا كعرب ألا نقبل بالسير بهذه النظرية.. لا يجوز أن نتحدث عن الامن بمعزل عن السياسة أولاً نحدد ما هي الافكار السياسية.. كيف نطبقها.. وعندها سنصل الى الامن.. وأي أمن يجب أن نقوم به كعمل أمني على الارض يجب أن يترافق مع فكرة سياسية.. الدليل الطائف في لبنان. تواجدنا في لبنان قبل الطائف حوالى أربعة عشر عاما ربما مئات من اتفاقات وقف اطلاق النار ولم يتحقق الامن الحقيقي إلا بعد وجود الطائف الذي هيأ أرضية سياسية لوقف اطلاق النار النهائي في لبنان.. ومن ثم تطور الاحداث باتجاه سياسي والتفاصيل اللاحقة تعرفونها.

في الموضوع اللبناني.. دخلنا الى لبنان.. إذاً سأمر بشكل عاجل وأحاول أن ألامس فقط النقاط غير المعروفة لديكم لكي أترك المجال للاسئلة.

دخلنا لبنان عام /1976/.. في عام /1989/ كان اتفاق الطائف.. بدأنا بإعادة نشر القوات في /1998/ بعد استلام الرئيس لحود.. وأقول نشر القوات داخل الاراضي اللبنانية في ذلك الوقت.. بدأنا بنقل القوات من الداخل الى الحدود السورية اللبنانية.. والبعض منكم يذكر أن اسرائيل أثارت ضجة حول هذا الموضوع عندما اعتبرت أن سورية تهيىء لحرب من قبل تحليل وهمي من أحد العناصر الاسرائيلية في المخابرات الاسرائيلية.. وفي عام /2000/ وبعد الانسحاب الاسرائيلي.. تسرع الانسحاب السوري وصولا الى عام /2004/ عندما صدر القرار /1559/ كانت سورية قد سحبت /63/ بالمئة من قواتها حتى ذلك الوقت.

بعد صدور القرار /1559/ بدأت عملية الابتزاز بالنسبة لسورية وبدأ المسؤولون الاوروبيون والاجانب بشكل عام يأتون لسورية ويساومونها.. يقولون نحن لا نريد من سورية أن تنسحب بشكل عاجل ولكن على سورية أن تقوم ببضع خطوات. طبعا قلنا لهم لا تريدون أن ننسحب بشكل عاجل.. نحن على كل الاحوال نقوم بعملية الانسحاب ضمن خطة معينة.. ما هو المطلوب.. المطلوب طبعا نزع سلاح المقاومة في لبنان.. والمطلوب ايجاد حل لموضوع المخيمات الفلسطينية وطبعا في مقدمته موضوع نزع سلاح هذه المخيمات. قلنا لهم هذا الموضوع لا يعنينا. عليكم أن تقوموا به أنتم.. بالنسبة لنا نحن ننسحب من لبنان ضمن قناعات وضمن مصالح واضحة وسنتابع هذا الانسحاب.

وطبعا القرار /1559/ لم يحدد لا الآلية ولا زمنا للانسحاب.. ان كان لديكم زمن معين عليكم أن تعودوا لمجلس الامن وحددوا زمنا.. نحن بالنسبة لنا مستمرون ولا نهتم بكل هذه الطروحات.. هذه المساومة استمرت حتى قبل أيام قليلة جدا من اغتيال الرئيس الحريري.

اغتيال الرئيس الحريري خلق صدمة.. قلب جزءاً من الشارع اللبناني ضد سورية.. خاصة مع التحريض العاطفي والطائفي الذي قام به بعض السياسيين في لبنان.. طبعاً هذا الموضوع كان بالنسبة لنا في سورية أمراً لا يناقش.. فاتخذنا مباشرة قرار الانسحاب من لبنان..  أعلناه خلال حوالى ثلاثة أسابيع وأتممنا الانسحاب بعد أن أعلناه بأقل من شهرين .عندما ينقلب جزء من الشعب اللبناني ضد سورية لا يمكن أن تبقى سورية يوما واحدا في لبنان.

لكن بالنسبة للبعض في المنطقة أو في الخارج كان لديهم مفهوم خاطىء بأن سورية متمسكة في لبنان لأسباب اقتصادية ولأسباب سياسية.. كانوا يقولون ويكتبون النظام في سورية يسقط اذا خرج من لبنان..  والقرار /1559/ ان لم يخرج سورية فمقابله ابتزاز بإضعاف سورية من خلال اضعاف المقاومة واضعاف الوضع الفلسطيني من خلال المخيمات.والخروج السريع لسورية بكل تأكيد سيكون له تداعيات داخلية. هذا يعبر دائما عن قراءة خاطئة من الغرب ومن بعض العرب لحقيقة الامور على الساحة.

في ذلك الوقت عندما كانت القوات السورية تنسحب كان هناك حوالى 400 صحفي من الدول المختلفة خاصة الغربية يصور لأنه يريد أن يصور سقوط النظام في سورية بعد الخروج من لبنان.. كان مشهدا مضحكا.. مع ذلك تعاملنا بنوع من الهدوء أو بكثير من الهدوء.. وكان البعض يعتقد أن سورية مرتبكة بهذا الهدوء أو تائهة.. الحقيقة.. الامور كانت بالنسبة لنا واضحة لأن ما يحصل الآن لم يبدأ منذ عام أو عامين، بدأ بشكل واضح بعد حرب العراق ولكن بذور هذا الموضوع بدأت منذ عام /1998/.. عندما بدأ التآمر على المقاومة في لبنان ومحاولات إضعاف سورية ولكن الظروف لم تكن مهيأة في ذلك الوقت والآن تهيأت الظروف بعد حرب العراق فبدأت الهجمة بهذا الاتجاه.

لم تحقق هذه الامور شيئا فانتقلوا الى لجنة التحقيق.. لجنة التحقيق الاولى لن أتوسع فيها.. فضحت على المستوى العربي والعالمي بتسييسها وبعدم مهنيتها وصدرت قرارات مجلس الامن وكانت هناك سابقة في القرار /1636/ الذي يبنى على تقرير لم يكتمل.. التقرير يقول انه تقرير مبدئي لم ينته ولم يضع في نصه لا أدلة ولا اتهامات واضحة.. وإنما يحمل مسؤوليات على طريقة لا يمكن أن تحصل عملية في لبنان دون معرفة سورية.

أي عملية تحصل في أية دولة فالدولة مشاركة فيها /11/ أيلول ومقتل الرئيس عرفات في فرنسا وأي عملية تحصل في أي دولة عربية ولو جريمة..  فإذاً الدولة تتحمل مسؤوليتها.. بمعنى المشاركة الرسمية.. هذا الكلام غير منطقي وهذا يشكل سابقة خطيرة على العالم ككل وليس على سورية. الهجوم.. سأتحدث أيضا باختصار أعبر عنه بثلاث مراحل من خلال لجنة التحقيق السابقة.

المرحلة الاولى بدأت مع محاولة اتهام المقاومة في لبنان.. كانت فرصة بالنسبة لهم أن يقولوا ان المقاومة متورطة بعملية الاغتيال.. وهذا الشيء يضرب صورة المقاومة في لبنان أمام الشعب اللبناني.. وبالتالي تبدأ عملية سقوط طبيعية لفكرة المقاومة على مستوى لبنان.طبعا لم يتمكنوا وبنفس الوقت لم يجرؤوا ولا الشعب اللبناني سار في هذه الفكرة.. لم يتمكنوا من تسويقها.. ولم يجرؤوا على تسويقها.. فانتقلوا مباشرة لأنهم بدؤوا يشعرون بالضعف.. انتقلوا مباشرة الى الهجوم من خلال لجنة التحقيق باتجاه سورية.. قاموا مباشرة بسجن الضباط اللبنانيين بناء على شاهد مزور فضح لاحقا.. هو زهير الصديق وانتقلوا مباشرة الى الهجوم باتجاه سورية.هنا كانت الخطة أيضا.. طبعا كانت الفكرة عندما نهاجم القوى الوطنية بالمرحلة الاولى.. نضعف المقاومة  وحزب الله والقوى الاخرى.. فحتماً  سورية ستضعف.. التيار الذي نمثله الآن في هذه الأحزاب القومية سيضعف وسيسقط بشكل آلي.. وهناك العراق شكل صدمة للتيار القومي فتنتهي الأمور بشكل سريع.

الآن فشلنا في لبنان.. فسننتقل للهجوم في سورية ولندخل مباشرة الى جوهر الموضوع ولنسقط النظام في داخله.. وهذا الضغط كان هدفه خلق انقسام على مستوى الدولة.. على مستوى الشارع وخلق انقسام بين الدولة والشارع.من دون الدخول في التفاصيل.. تعرفون بأنهم فشلوا في المحصلة ونتيجة الفضائح الكثيرة التي سقطت فيها عملية التحقيق ومن يقف وراءها من لبنانيين أو أجانب أو بعض العرب ضربت المصداقية.وفي سورية كان هنالك نوع من التوحد غير المسبوق والوعي غير المسبوق بالنسبة لكافة الشرائح حتى غير المهتمة بالسياسة.بمعنى آخر.. كل ما تحقق لديهم كان العكس  وحدة وطنية.. وعي.  فضحت المخططات.. لم نعد قلقين من شيء. فشلوا في سورية واستخدموا الكثير من المكملات والمتممات لاتمام هذا الشيء ولم يتمكنوا من الوصول لهذا الهدف فعادوا للهجوم من لبنان من خلال /14/ شباط والهستيريا التي رأيناها في /14/ شباط هي تعبير عن الفشل الذريع لهذه القوى.

الآن سيعودون للهجوم ولكن بعنوان آخر.. عنوان الحقيقة الذي استخدم.. كشف وفضح.. بأنه كذبة كبيرة وقناع.. نحن نعرف ولكن فضح على المستوى العربي وعلى المستوى الغربي.. والكل ينظر اليهم بازدراء.. أنا سمعت هذا الكلام من مسؤولين ليسوا مع سورية ولكنهم تحدثوا عنهم بازدراء.الحقيقة.. هل نقيمهم بالذكاء أم بالغباء.. لا يمكن. لأن من يقيم بالذكاء أو بالغباء هو العقل المفكر.. هم مجرد أدوات.. الادوات تقيم بأنها فاعلة أو غير فاعلة. الحقيقة كانوا أدوات غير فاعلة.. أما من خلفهم فلم يكن ذكيا.. الحقيقة كان غبيا في كل ما تصرف به.. وهم ينتقلون من فشل الى فشل.الآن العنوان البديل هو الرئيس لحود.. لن أدخل في دفاع عن الرئيس لحود.لماذا الرئيس لحود.. بكل بساطة لأنه أكثر رئيس دعم المقاومة ولأن اللعبة التي بدأت عام /1998/.. كما قلت قبل قليل.. بدأت مع محاولات ابعاد الرئيس لحود لابعاد لبنان عن سورية.. وبالتالي عن الاتجاه العربي ورفضت هذه المحاولات ولن أتحدث عنها بالتفصيل.. ربما تكون هناك فرصة لكي يشرح الرئيس لحود.. وهو صاحب الحق في الحديث.. عن هذه النقاط.. لكي يشرح هذه التفاصيل كيف بدأت كي تعرفوا الامور.. أحيانا نقع في الخطأ ونعتقد بأن القضية ابتدأت مع القرار /1559/ أو ابتدأت مع التمديد.. أو ابتدأت بعد حرب العراق.. لا كلها مراحل طويلة ولكن في كل مرحلة هناك نقلة.. هناك ظرف جديد يهيىء لجسر لينتقلوا منه للمرحلة اللاحقة.

فإذاً المشكلة ليست بين سورية ولبنان.. المشكلة هي لدى تيار في لبنان لديه مشكلة مع سورية لأنه قرر أن يضع نفسه بأمرة الآخرين لكي يتآمر على سورية. الحقيقة حتى الآن لم نتحرك بمعنى فاعل.. لأننا.. كما قلنا..  لا نعتبر أن معركتنا مع هذا التيار لأنه أداة والدول لا تقاتل أدوات.. معركتنا هي مع أسباب هذه الحالة.. هي انعكاس للفشل في العراق.. انعكاس للفشل في فلسطين.. انعكاس لوضع دولي معين.هي ليست قضية سورية.. هي قضية عربية نحاربها بالعمل العربي وبمواجهة الآخرين في الساحات الحقيقية وليس مع تيار.. هذا التيار لا يشكل بالنسبة لنا شيئا.. ومن يقول انه أكثرية.. الحقيقة الأكثرية الكبيرة في احصاءات عديدة تتم في لبنان..  هي مع العلاقة الجيدة مع سورية وهي غير مقتنعة بكل ما يحصل.الأكثرية ليست أكثرية الاموال ولا أكثرية المقاعد النيابية التي تأتي في ظل ظرف عاطفي معين.. وفي تسويق وهمي معين.. وفي خداع للشارع بطريقة معينة بدأ ينكشف الآن.الأكثرية الآن هي.. كما قلت.. الأكثرية الوطنية هي الأكثرية القومية.. الأكثرية التي تدعم المقاومة والتي تدعم العلاقة مع سورية من دون أي تردد.فإذاً نحن نستطيع أن نقول ان ما يحصل الآن هو عابر كما قلت سابقا ومؤقت.. وأمام هذا التيار بمختلف عناصره وأشخاصه احتمالان.. إما الفشل الذريع وهو ما نراه الآن.. وإما عودة الوعي والعقل.. وفي هذا الاطار نستطيع أن نقول ان الحوار الذي يتم الآن في لبنان هو خطوة ايجابية لعودة العقل ان كان هناك رغبة. الحوار لا يعيد العقل.. يجب على المتحاورين أن يمتلكوا الارادة في العودة لهذا العقل.موضوع السلام. بالمختصر.. لا سلام في المدى المنظور.لكن لماذا.. أولاً لأن اسرائيل يوما بعد يوم هي أبعد عن السلام بكل شرائحها حكومات وأحزابا وعموما. النقطة الثانية وهي نقطة جديدة وغير مسبوقة لأن الولايات المتحدة أبعد من اسرائيل عن عملية السلام.في السابق كانت الولايات المتحدة هي التي تدفع أو تضغط على اسرائيل لكي تتحرك باتجاه السلام.اليوم إذا فكر اسرائيلي لسبب ما ولو تكتيكي ولو كبالون اختبار بأن يتحرك أو يتحدث بما يوحي بأن هناك حركة باتجاه السلام فتضغط عليه الادارة ببعض قواها كي تمنعه من التحرك باتجاه السلام بحجة أن هذا الشيء يقوي بعض الدول العربية.. والعرب يطرحون مبادرات السلام انطلاقا من موقع ضعف وللخروج من مآزقهم الداخلية أو الاقليمية أو الدولية.

سبب هذه النقطة الاولى والثانية هي الادارة الفاشلة التي قمنا بها نحن كدول عربية لعملية السلام. كنا نعتمد على مبدأ اننا علينا أن نقدم كل شيء مقابل لا شيء.. ولكن بيوم من الايام سيقدر لنا أصحاب الامر هذا الموضوع وسنكون نحن الرابحون في المستقبل.الحقيقة قدمنا كل شيء  ومازلنا نقدم كل شيء وما زلنا لم نحصل حتى على الرضا حتى على كلمة جميلة.. كلمة بسيطة يقولون //قمتم بواجبكم يعطيكم العافية//. حتى هذه الكلمة لم نسمعها من الغرب.. فهذا هو السبب الاساسي وهو الذي أدى في المحصلة لأن تعامل المبادرات العربية على اختلافها واختلاف مضمونها وشكلها باحتقار وبازدراء وباستخفاف.

كما قلت.. تعبر هذه المبادرات عن ضعف وتعبر عن حاجة للخروج من المأزق.. حتى في سورية لم نعد في خطابنا البروتوكولي الدائم نتحدث كثيرا عن السلام لأنه أصبح يفهم هذا الحديث المتكرر على أنه منطلق من ضعف.ماذا كانت النتيجة.. المزيد من الخسائر السياسية العربية على الساحة الاقليمية والدولية. تراجعت مكانتنا في كل العالم بشكل غير مسبوق.. وطبعا في مقدمتها على المستوى الشعبي الداخلي لدى شعوبنا العربية.تناقضت المسارات العربية.. بدلا من أن تكون المسارات العربية متوافقة مع بعضها البعض تحولت الى مسارات متناقضة.. بمعنى ان تحركت اسرائيل على المسار الفلسطيني فسيخسر المسار السوري اللبناني أو العكس. استمر قتل الفلسطينيين وزاد. كان الرد على كل مبادرة من المبادرات هو ازدياد قتل الفلسطينيين.

بالمحصلة العامة لكل ما حققناه من تحرك على اتجاه السلام منذ بدايته حتى الآن هو.. لا أستطيع أن أقول صفرا.. بل هو نتيجة سلبية كانت ضد مصلحة العرب وليس لأننا تحركنا باتجاه السلام.. نحن مع السلام ولكن الآلية التي اعتمدها العرب والقاعدة الفكرية والرؤية السياسية كانت خاطئة بما لا يقبل الشك والنتائج اليوم تؤكد هذا الشيء. بالمقابل أتى الرد شعبيا. الانتفاضة الفلسطينية أولا لم تحصل كرد فعل على دخول شارون الى المسجد الاقصى.. لو كانت رد فعل لانتهت في وقتها خلال أيام أو أسابيع لكنها مازالت مستمرة.. هي كانت رد فعل على أوسلو.. كان الشعب الفلسطيني يعتقد بأن هذه الاتفاقية ستحقق له الدولة الفلسطينية ولاحقا الحقوق الفلسطينية الاخرى خلال زمن معين.. اكتشف خلال ست أو سبع سنوات بأنها كانت عبارة عن خدعة دولية كبيرة سار بها العرب بشكل خاطىء وانعكست سلبا على حقوقهم فانتفض عليها.الرد الثاني أتى مؤخرا من خلال فوز حماس.. حتى أشهر قليلة كنا نسمع من بعض العرب ان الشعب الفلسطيني مل وتعب من نهج المقاومة. الحقيقة فوز حماس ليس فوزا لفصيل.. هو انتخاب لنهج المقاومة.. هكذا علينا أن نفهم هذا الفوز.

فوز حماس هو موضوع داخلي.. بالنسبة لنا لن ننظر الى هذا الموضوع فصيل أو أية فصائل أو سلطة أو غيرها.. نحن نريد علاقة جيدة ونسعى لعلاقة جيدة مع كل التيارات الفلسطينية.. الفصائل في الداخل.. في الخارج.. علاقتنا جيدة مع الرئيس محمود عباس ونتحدث معه بصراحة.. وقلنا له إن ما يهمنا هو وحدة الفلسطينيين عدا عن ذلك هو تفاصيل.. لكن ما يعنينا من هذا الفوز تحديدا.. أولا هو ما يتعلق بالضغوط الكبيرة التي من الصعب أن نشرحها.. حتى لو أردنا أن نشرحها داخليا في سورية.. نحن لم نكن نتحدث عن حجم هذه الضغوط.. لكن من الصعب تماما أن نعبر عن حجم الضغوط التي تعرضنا لها خلال السنوات القليلة الماضية بسبب تواجد الفصائل الفلسطينية في سورية.. وانتخاب حماس أولا يأتي لكي يثبت صحة الموقف السوري.. هذا يعني أننا كنا فعلا نرى الامور قبل سنوات.. كنا نعرف وكنا مقتنعين ولم تتغير قناعات سورية بأن نهج المقاومة يعبر عن نهج الشارع الفلسطيني.. نحن ليس لنا الحق أن نحل محله في تقييم الأمور.. فكنا نعتقد في تلك المرحلة وكل الوقت حقيقة.. أن هذا ما يريده الشعب الفلسطيني.. لم نكن نعرف اذا كانت حماس ستدخل الانتخابات أم لا.. ولم نكن نعرف لاحقا ان كانت ستربح أم لا.. لكن كنا نعرف أين هذا التوجه.. والشعب الفلسطيني عبر عن هذا التوجه وعبر عن صحة موقفنا بهذه الانتخابات.

كثير من الدول العربية كانت تنتقدنا حول هذه النقطة تحديدا.. حقيقة أول من طرح هذا الموضوع بشكل حاسم هو كولن باول.. عندما أتى الى سورية بعد حرب العراق بثلاثة أسابيع.. لم يكن هناك لا ورطة أمريكية ولا مقاومة ولاشيء.. كانت أمريكا مزهوة بهذا الانتصار.. وقالوا نريد ان تطردوا حماس والجهاد.. قبل زيارته كنا تحدثنا مع الاخوة في حماس والجهاد.. وقلنا لهم الآن نتوقع أن يطلبوا منا اغلاق المكاتب.. الحقيقة بادروا من تلقاء نفسهم.. وقالوا نحن نريد أن نخفف الضغوط على سورية في هذا الظرف ونحن سنقوم بإغلاق المكاتب.. وفعلا بلغنا الوزير باول بأن هذا الشيء تم الاتفاق عليه مع الفصائل الفلسطينية.. فوجئنا بأن الطلب ليس اغلاق المكاتب.. لكي تروا كيف يتعاملون معنا.. دائما يبدؤون بتنازل وراء تنازل.. طلبوا طرد المنظمات ولاحقا بدأت بعض الدول العربية تضغط بهذا الاتجاه.. يجب ان يطردوا.. قلت لهم بشكل بسيط عندما تطرد شخصا من بلدك اذا كان هناك سبب.. الى أين تطرده.. الى أرضه.. لا تلقي به في البحر.. لا تطرده الى بلد آخر.. وهم أخرجوا من الاراضي الفلسطينية وممنوعون من العودة اليها.. ولاحقا لم يقبل بهم في الاردن.. فطرحنا مع بعض المسؤولين العرب.. إذا قبلوا ان يخرجوا من سورية.. وهذا كلام يعرفه الأخ خالد مشعل بالتفاصيل والاخوان الآخرون.. هل تقبلون بهم.. الكل يقول لا.. نقول لهم ماذا نفعل بهم.. نذبحهم.. فكان الجواب أجمل أوجدوا لهم حلاً.. ولا نعرف ما هو الحل.. الآن هم أوجدوا الحل بالانتخابات.

النقطة الثانية التي تهمنا هي ان هذه الانتخابات هي المحك الحقيقي للعظات الاوروبية أو القريبة بشكل عام حول الديمقراطية.. يحب المسؤولون الاجانب بشكل غريب أن يأتوا بدور الاستاذ الينا ويعطونا عظات في كل شيء.. في الديمقراطية.. في محبتي لشعبي في محبة السوري للسوري.. والعربي للعربي.. كيف نتحرك باتجاه السلام.. وهم يفهمون أكثر منا بالسلام ولو أنه سلامنا.. يفهمون أكثر منا بالعراق.. بكل شيء.. فأنا دائما أقول هم يأتون الينا ويعطوننا عظات.. الآن سنرى.. وكلنا رأينا التناقض الكبير الذي وقعوا به.. كيف تدفعهم دعواتهم الى التعامل مع منظمة ارهابية.. فكانوا مرتبكين.. نقطع المساعدات.. نهدد بقطع المساعدات.. نوافق على المساعدات.. نطلب من حماس ان تعترف باسرائيل وان تنزع السلاح.. والى آخره من التخبط. أعتقد أنها محك حقيقي لهؤلاء سنراه خلال المرحلة المقبلة بتفاصيل واضحة أكثر.

النقطة الثالثة وهو ما نطرحه دائما مع الرئيس محمود عباس وطرحناه مع الاخوة في المنظمات الفلسطينية بمعزل عن فوز حماس ولكن الآن نعتقد أنه فرصة كبيرة.. هو توحيد الفلسطينيين.. لا أقول الفصائل.. الكل.. كل الفلسطينيين وعلى كل الاحوال أنا الآن لا أرى خلافات أو فجوات حقيقية كبيرة بين التيارات المختلفة.. ولكن دائما هناك من يحاول أن يلعب على الوضع الفلسطيني الداخلي.. ونعتقد أن الانسحاب من غزة كان في أحد أوجهه هو خلق فتنة بين الفلسطينيين.. وأنا قلت في لقائي مع الاخوة في حماس منذ أسابيع بعد الفوز إن أول هدف يجب أن يكون هو الوحدة مع الجميع بمختلف تياراتهم.. وعندها نستطيع ان نحقق الاهداف الاخرى.. طبعا عندما تقول الوحدة.. في الداخل والخارج. الجانب الآخر الذي يهمنا هو موضوع اللاجئين.. يهمنا أولا لأنه أحد أهم أوجه القضية الفلسطينية.. لا يمكن ان تتحدث دائما بالسلام عن ارض وتراب وحدود وتنسى ان الهدف هو البشر بالمحصلة.

ثانيا لأنه لدينا في سورية كما لدى عدد من الدول العربية الاخرى عدد من الفلسطينيين يقدر بحوالى نصف مليون ونحن نعيش معهم المعاناة اليومية التي يعانونها.. ونحن نعتبر أنفسنا مسؤولين عنهم وعن حقوقهم حتى تعود هذه الحقوق ويقرروا هم ان كانوا سيستمرون في الدفاع عنها كما نرى الآن. طبعا لأن البعض يقول هذا الطرح لم يعد منطقيا.. نقول ليس نحن من نحدد.. صاحب الحق هو من يحدد ان كان منطقيا أم لا.. فهذا الموضوع مهم جدا التركيز على حق عودة اللاجئين. الجانب الآخر الذي يهمنا هو انتهاء لعبة المسارات.. على الاقل اذا قررت حماس أو السلطة.. لنقول الآن السلطة.. اذا قررت السلطة الفلسطينية ان تسير باتجاه السلام فلن يجدوا من يقبل ان يلعب معهم لعبة المسارات.. فكلنا نتحدث الآن بمنطق واحد.. عودة الحقوق العربية كاملة من دون أي تنازل.

الآن يطرح على حماس كما تسمعون نزع السلاح والاعتراف باسرائيل.. ايضا نسأل اسئلة بديهية جدا.. لماذا لم يطرحوا نفس الكلام على اسرائيل.. لاحظوا لعبة المعايير المزدوجة التي نراها في كل مرحلة.. على حماس ان تنزع السلاح وعلى اسرائيل ان تستمر بحمل كل اسلحة العالم لقتل الفلسطينيين.. على حماس ان تعترف بإسرائيل وعلى اسرائيل ان تعترف بحماس كمنظمة ارهابية استلمت الحكم لسبب ما.. هذا بالنسبة لهم مقبول.. هذه هي الصورة الحالية.. لكن مقابل ماذا.. لنفترض أنها ستعترف.. ولكن مقابل ماذا.. مقابل الاشياء التي ستقدمها اسرائيل تجاه السلام.. تجاه حقوق الشعب الفلسطيني. ايضا لا يوجد أي طرح في هذا الاتجاه.. والسلطة الجديدة طرحت هذا السؤال.. واعتقد أنه الآن يطرح خلال الزيارة الى موسكو قرأته في بعض الصحف.. لماذا يطلبون من حماس الاعتراف بإسرائيل..

البعض سيقول إن حماس ملزمة باتفاقيات تم توقيعها والسلطة منذ البداية بعد أوسلو اعترفت باسرائيل.. فحماس الآن ملزمة.. وهذا عذر أقبح من ذنب.. فإذاً لماذا يطالبونها بالاعتراف بإسرائيل اذا كانت السلطة قد اعترفت وهناك اتفاقيات ملزمة.. فاذاً هناك أهداف أخرى.. يعني الطرحان غير مقبولين.. على كل الأحوال لنفترض بمعزل عن الاتفاقيات والاعتراف السابق.. أي اعتراف يطلب من أي طرف بطرف آخر في مثل ظروفنا فلا بد ان يكون مرتبطا بعملية سلام.. والدليل هو سورية.. نحن دخلنا في عملية السلام.. ودخلنا في المفاوضات.. لكن لم نعترف باسرائيل حتى هذه اللحظة. ونقول الاعتراف مرتبط بعودة الحقوق كاملة.. لا يجوز ان يكون الاعتراف مجانا هبة لاسرائيل لكي يرضى علينا الغرب. وهناك في الغرب خلط.. جانب منه مقصود وجانب منه غير مقصود.. مابين الاعتراف ومابين الدخول في السلام.. البعض يقول على حماس ان تعترف بإسرائيل ويعتقد أن اعترافها باسرائيل يعني دخولها في عملية السلام.. وهذا خلط يجب ان ننبه له طبعا بالنسبة لنا كعرف لا أعتقد أن هناك خلطا بين الاولى والثانية.. لكن في لقاءاتنا مع الوفود الاجنبية يجب ان نشرح أن الاعتراف يأتي كمحصلة وكنتيجة للسلام. فإذاً فوز حماس هو نقطة قوة يجب ان تستثمرها لتقوية الموقف العربي باتجاه عملية السلام.. ويجب ان يكون الحد الادنى بالنسبة لنا هو اعتراف اسرائيل واحترامها لكل المبادرات العربية.. وفي مقدمتها المبادرة العربية في قمة بيروت عام/2002/.. هذا هو الحد الادنى.. ماذا بعد هذا الحد الادنى.. هذا بحاجة لحوار اكثر.. فالحد الادنى يجب ان يكون الاعتراف بهذه المبادرات العربية واعلان اسرائيل الواضح للسير باتجاه السلام العادل والشامل الذي يعيد كافة الحقوق لكل العرب سورية ولبنان وفلسطين.. من دون التنازل عن أي حق.

الوضع الدولي.. عادة نبدأ الوضع الدولي بالحديث عن الولايات المتحدة.. والغريب في هذه الادارة أنها حققت انجازا كبيرا جدا وهو توحيد العالم بالموالي لها والمخالف لها.. وحدته حول نقطتين.. النقطة الاولى وحدته حول انتقاده لهذه الادارة.. يعني الموالون لها ينتقدونها اكثر من المعارضين لها أو خصومها أو أعدائها. فوحدوا العالم حول هذه النقطة أولا.. وحدوا العالم حول نقطة ثانية بأدائهم الرائع بعد 11 ايلول.. ساعدوا كثيرا على انتشار الارهاب تحت عنوان المكافحة.. ووحدوا العالم حول الخوف من الارهاب.. لم يعد أحد يشعر بالامن.. لا يوجد سوى هذين الانجازين لهذه الادارة.. لذلك لن أطيل الحديث عن الوضع.. الباقي تعرفونه. يعني كلنا موحدون مع العالم.. وهذا شيء جيد. أوروبا تهمنا كثيرا لأنها القارة الاقرب.. والقارة التي بمعنى تقترب أكثر مع تطور وسائل الاتصال والمواصلات.. ولكنها تبتعد عنا ثقافيا خاصة بعد 11 ايلول.. وخاصة بعد الكثير من الاخطاء العربية السياسية التي تمت خلال العقد أو العقد والنصف تحديدا في بداية التسعينيات وحتى اليوم.. وأنا أرى المدخل لهذا الموضوع هو قضية الرسوم المسيئة للنبي /ص/ التي حصلت في الدنمارك. أنا دائما أفضل أن نبدأ بأنفسنا.. عندما ننتقد شيئا نحن طرف فيه فلنبدأ بأنفسنا دائما ومن ثم ننتقل للآخرين.. الغضب الذي حصل في العالم العربي والاسلامي هو مبرر ولا نقاش فيه على الاطلاق.. طبعا يقال أرادوا الاساءة للنبي محمد.. حاول المشركون الاساءة له كثيرا خلال مرحلة نزول الرسالة.. من البداية حتى ختم الرسالة.. ولم يتمكنوا لأن الانبياء مكرمون معززون من قبل الله سبحانه وتعالى.. ولا يمكن لإنسان أن يمس الانبياء بسوء.. ولن يتمكنوا.. ولكن الهدف هو نحن كمجتمعات نؤمن بهذه الرسالة.. ونحن المستهدفون. إذا غضبنا من أجل الاسلام فدعونا نطبق الاسلام.. بمعنى البناء والبشر الموجودون في أراضينا هم أمانة في أعناقنا والاسلام حض بشكل كبير وقوي على الحفاظ على الامانة. النقطة الثانية لا تحمل نفس وزر أخرى.. فإذا كان هناك شخص دنماركي أو فرنسي أو غيره دولته أخطأت.. أو مسؤول لديه أخطأ وصحفي أخطأ.. فربما لا يكون هو موافق عليه.. وأنا قرأت عددا من المقالات الاجنبية في صحافة اجنبية تتحدث بنفس المنطق الذي نتحدث به.. أيضا علينا ان نحافظ على القانون لأن الاسلام حضنا على النظام وعلى الالتزام بأوطاننا.. وطبعا هناك من قاطع والمقاطعة كان لها تأثيرات كبيرة جدا أكثر من كل ما قمنا به.. تأثير اقتصادي.. فإذاً هنا دور الأحزاب.. هنا إحدى النقاط التي علينا كأحزاب أن نقوم بها.. كيف نؤطر هذه الطاقة وهذا الغضب باتجاه يحقق نتائج.. هذا سؤال مهم على الأحزاب أن تفكر به.. هذه الطاقة سنستخدمها في المرات القادمة ليردعوا عن القيام بمثل هذا العمل.

الآن أنتقل الى الطرف الثاني وهو الطرف الاوروبي كانت القضية دنماركية ثم حولوها الى قضية أوروبية ثم حولوها الى قضية صراع بين الغرب والاسلام.. تمترسوا خلف مفهوم كاذب مخادع اسمه حرية التعبير.. وطبعا حرية التعبير موجودة.. هم يؤمنون بهذا المبدأ.. وفي هذه الحالة كان مفهوما كاذبا.. لأنهم خلطوا فيه بين حرية الرأي وحرية الاهانة.. بين قبول الرأي الآخر وقبول اهانة الآخر.. اذا كنت أنا ديمقراطيا وأقبل بالرأي الآخر.. مطلوب مني أن أقبل بالرأي الآخر ولكن ليس المطلوب أن أقبل باهانة الآخر.. وهنا كان خلطا مقصودا في بعض الاحيان وغير مقصود في أحيان أخرى وخلطوا في الموضوع الاول مع الثاني. غير صحيح ما يقال عن حرية التعبير بهذا الشكل المطلق هذا الكلام يؤكد أنها كذبة كبيرة.. لكن هذا الكلام لا يهمنا كثيرا هناك أشياء أهم بكثير لماذا حصل هذا الشيء.. هل فجأة شعروا في أوروبا بأنهم يكرهون الاسلام وهل فجأة أرادوا أن يسخروا من النبي.. هل هي حالة مجردة.. لا هي ليست حالة مجردة.. هل هي حالة مفاجئة.. لا هي تراكم. بمعنى آخر من غير المعقول ان أكون كشخص أمتلك كرامة من جانب ولا امتلك كرامة من جانب آخر.. اما أن يقال إن هذا الشخص كرامته عزيزة عليه.. واما انه لا يهتم بكرامته على الاطلاق.. وما حصل هو نتيجة لمقبلات أخرى لتهيؤات أخرى أيضا ضمن فكرة زيادة الجرعة.. التي بدأت سابقا عندما يعرفون أننا من الممكن أن نسكت سياسيا مقابل بعض المساعدات المادية فيعرفون أننا نقبل بإهانة الكرامة.. عندما يعرفون أننا نسكت ونصمت عما يحصل في العراق لكي نحمي رؤوسنا فيقولون هؤلاء بلا كرامة.. الذي يحصل في فلسطين والذي يحصل في مواقع أخرى.. عندما يعرفون أننا نقبل بالتدخل في شؤوننا الداخلية ونحن مبتسمون بحجة الديمقراطية والمصطلحات التي تستخدم فقط لكي نرضيهم.. سيصلون لهذه المرحلة.. فهم لاحظوا أننا خلال خمسة عشر عاما بشكل أساسي قبلنا بكل هذه الاهانات الصغيرة.. وكانت الآن هذه محصلة الاهانة الاكبر لإهانات سبقتها فإذا أردنا.. لأنني أعتقد أن هذا الكلام ربما يحصل في يوم من الايام وسيتكرر بحسب ما أعتقد وبحسب ما أرى.. لن يمنعه سوى عندما يشعرون أننا لا نقبل بهذه الاهانة ولا بغيرها.. إذاً علينا أن نضع الامور في اطار واحد.. لا يمكن أن نأخذ هذه الحالة نتحدث عن الكرامة.. ونقول في الاطار الآخر لا توجد كرامة.. إذا فهمنا الامور بهذا الاطار علينا أن نربط السياسي بالثقافي.. البعض يقول إنها مشكلة ثقافية هي مشكلة ثقافية ولكن أتت من خلال تراكمات سياسية أتت عبر زمن ليس بقصير.

على كل الاحوال هذا لا يدعوننا أبدا لندخل في صراع ثقافي.. لن تكون مستفيدة منه سوى اسرائيل.. فإسرائيل بنيت على فكرة الصراع.. طبعا ليس الصراع الثقافي.. بنيت على الجزء الاول من المصطلح.. لأن اسرائيل هي عبارة عن اختراع حديث.. ليس له لا تاريخ ولا ثقافة لا يمكن أن يكون فيها مصطلح ثقافي.. ولكن فكرة الصراع هي الفكرة التي بنيت عليها اسرائيل.. المهم ألا ندخل في حالة صراع مع أوروبا في هذا المجال.. وننتبه وعلينا أن نقدر ونعرف أن أوروبا الآن تمر بحالة ضبابية نحن ساهمنا بها ببعض النفاق للغرب.. ولم نكن نقول لهم بماذا نفكر به بشكل صحيح.

صدمة العراق والطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع موضوع العراق.. رفض الحوار مع حلفائها.. وإعادة تكريس مبدأ الدولة الأقوى.. تقوم بما تريد ضرب الأمم المتحدة.. هذا خلق حالة من عدم التوازن.. بالإضافة طبعا للانقسام الذي حصل في اوروبا بعد الحرب.. الآن نرى تغيرا اوروبيا بالتعامل معنا.. اوروبا الآن تتعامل بشكل يشابه التعامل الامريكي.. رسائل فيها نوع من التهديد.. فيها نوع من الإملاء.. القليل من الحوار.. تدخل أكثر في الشؤون الداخلية تحت عناوين مختلفة.

فإذاً هناك تغير اوروبي بعد حرب العراق أقرب الى الاتجاه الامريكي يجب ان نكون منتبهين الى هذه النقطة.الدور الأوروبي غير موجودبنفس الوقت علينا أن نعقلن هذا الدور.. في إطار الحديث أيضا عن كيف تتعامل مع موضوع الرسوم.. وكيف نتعامل مع القضايا الأخرى.. يجب أن نتحدث مع الاوروبيين ومع الغرب بشكل عام بصراحة.. أن نحدد ما هو المقبول وما هو المسموح وما هو المرفوض بشكل حاسم وواضح.. علينا ألا نقبل أن يملوا علينا دروساً في التطوير الداخلي.. وكلنا نعرف كم نحن بحاجة للإصلاح والتطوير على المستوى الداخلي.. لكن في إطارنا الوطني والقومي.. وليس في إطار الدروس التي تأتينا على شكل إملاءات من الغرب.

أما بالنسبة للحديث عن دور اوروبي فاعل.. فأنا أرى الآن أن الدور الاوروبي غير موجود.. لكي نقول يجب أن يكون فاعلاً.. والحقيقة أن اوروبا كانت في العام الماضي منشغلة بالدستور الاوروبي وفشل التصويت على الدستور ولها مشاكلها وغير موجودة في المنطقة.. وأعتقد كما قلت للبعض منهم.. أنتم بحاجة لحوار غرب غرب على طرفي الأطلسي لكي تقنعوا الطرف الغربي أي الولايات المتحدة.. بأنكم يجب أن تأخذوا دوراً ويجب أن تقنعوا أنفسكم بأن لكم دوراً مكملاً للولايات المتحدة ولكن ينطلق من ثقافتكم وعلاقتكم التاريخية بمنطقتنا وليس بدور ساعي البريد أو المسوق للسياسة الامريكية.

ماهي الآفاق المطروحة أمامنا كعرب... هذا يعتمد أولاً على جواب هل نريد أن يكون لنا كيان حقيقي وليس وهميا.. كما هو موجود في كثير من الحالات على الساحة العربية.. بمعنى أن يكون قرارنا بيدنا.. هل قررنا أن نبقى عبارة عن عملة محلية مرتبطة بعملة صعبة.. كما نربط الليرة السورية بالدولار أو باليورو.. نصعد معهم ونهبط معهم.. هل سنبقى ننتظر ذهاب رئيس أمريكي ومجيء آخر لكي نعرف مستقبلنا.. هل سننتظر انتصار تيار الحمائم أو الصقور.. لكي نعرف مصيرنا.. إذا كان الجواب لا.. لا نريد فالآفاق غير موجودة. عدا عن ذلك الآفاق واسعة جدا.. ولكن يجب أن تبنى على أسس واضحة ومحددة.. لا يمكن أن نتابع أو أن نستمر في وضع عربي إذا أردنا أن نطوره.. وان ننتقل الى الامام بالرغم من الخسائر الكبيرة استنادا على تكتيكات سياسية ربما تكون ذكية ولكنها خالية من الاستراتيجية.

وما جربناه بالماضي من هذا النوع من السياسة لم يؤدِ الا الى الكوارث العسكرية والسياسية.. والتي كانت اشد سوءاً علينا كعرب.. من حروب اسرائيل العسكرية ومن سياساتها المعادية للعرب.. كانت فعلا أشد وبكثير.. وربما لا توجد مقارنة في بعض الأحيان.

فإذاً علينا ان نعتمد ليس على التكتيك بمعنى الذكاء الفردي.. علينا ان نعتمد على الذكاء الجماعي.. وهذا الذكاء الجماعي يتكون في المجتمعات عبر التاريخ وعبر التجارب والخبرات الكثيرة. وعبر أجيال.. ويكون ثوابت ومبادىء معينة نستند اليها في سياساتنا.فإذاً نحن نريد تكتيكات ذكية مستندة على استراتيجيات وثوابت وطنية وقومية.. وهذه الثوابت التي نراها مترسخة في المجتمع العربي.. هي أولا الهوية العربية بتنوعها وبعلاقتها مع الاسلام كما قلت في البداية.. بتنوعها وغناها.. العروبة التسامح المقاومة من أجل السلام لأن هناك أحيانا فصلا بين المقاومة والسلام وكأن المقاومة هي ضد السلام.. نحن نريد المقاومة من أجل الوصول الى السلام.. بما فيها الوحدة الوطنية وغيرها من مكونات هويتنا.الحقوق الكاملة من دون تنازل.. كما قلت كل تنازل سيليه تنازل آخر.. ويشجع الآخرين على طلب المزيد من التنازلات من دون تقديم أي شيء على الإطلاق.

ثالثا الالتزام بالشعوب.. بتجربتنا في سورية تجربة عملية عبر عقود لم نتمكن من المرور في هذه الازمات الكثيرة والخطيرة عبر العقود الماضية لولا الالتزام بشعبنا.والحقيقة أن الشعب.. حتى لو أخطأ المسؤول وحتى لو خرج في كثير من الحالات وسار في عكس رغبة الشعب.. لكن عندما يعرف الشعب بأنه ملتزم به ويتحرك انطلاقا من قناعاته والتزامه بهذا الشعب فهو سيقف معه.. فإذاً هذه أحد الثوابت الاساسية.علينا أن نبتعد عن فكرة أن الغرب هو الذي يأتي بنظام ويذهب بنظام هو الذي يحافظ على استقرارنا هو الذي يسوقنا.. هو الذي يعطينا الشرعية.. هذه الفكرة مرفوضة.. اذ لم نكن مسوقين من قبل شعوبنا على كل أخطائنا وعلاتنا.. فلن يكون هناك من هو قادر على تسويقنا.. هذه نقطة بالنسبة لنا في سورية هي الثابت الاول.. وطبعا نتمنى أن يسير عليها الآخرون.. على ماذا نبني إذا أردنا أن نتحرك.. الصورة التي أعطيتها منذ بداية حديثي.. هي نوعا ما صورة سوداوية.. الحقيقة هي ليست كذلك.. هناك كثير من السواد ولكن هناك بياض يتسع.. أولى هذه الصور هي انتصار المقاومات من خلال صمودها.. تجربة حزب الله وحماس والجهاد والعراق.. ولكن هناك تجربة قد تكون بنفس الاهمية وربما أهم.. وأحيانا لا نتحدث عنها وهي الصمود الاجتماعي من خلال رفض التطبيع.. التطبيع بالمعنى الاسرائيلي.. هناك رفض كبير.. والحقيقة نراه بشكل أساسي في مصر بالدرجة الاولى.. كونها أول بلد وقعت على معاهدة السلام مع الاسرائيليين.. وهناك رفض حقيقي لأنهم كشفوا اللعبة قبل الآخرين.. ربما نحن في سورية لم نحتك مع الاسرائيليين.. لا نعرف  ما يعرفه المصري عن الاسرائيليين فهم كشفوا اللعبة باكرا.. وهناك رفض كامل للتطبيع بالطريقة التي طرح بها.

كل هذه الاشياء تدل على ان حيوية الامة العربية لم تنقطع.. ولكن علينا أن نعرف كيف نفعل هذه الحيوية.. ونضعها في أطر معينة.. تسير بالاتجاه الذي نتحدث عنه. النقطة الثانية هي فشل معظم المخططات في المنطقة.. وعندما أقول فشل لا يعني أننا انتصرنا.. لكي لا أفهم خطأ.. ويقال إن هذا الكلام غير واقعي.. وعندما أقول فشل لا يعني أننا أفشلناها.. ربما تكون هناك عوامل اجتماعية أفشلت.. ولكنها فشلت لأنها تخرج عن منطق الامور على مستوى العالم.. ليس فقط في منطقتنا.. وخاصة مشاريع المحافظين الجدد فشلت بزمن قياسي.. وهناك قناعة عامة في العالم بأن هذه المشاريع فاشلة.. وعندما نقول محافظين جددا علينا ألا نقع بالخطأ ونعتقد أنهم فقط موجودون في الادارة الامريكية.. تعلمون أنهم موجودون بشكل أقل في الدول الاوروبية ولكن الشيء الذي ربما لا تعرفونه.. نعرفه كمسؤولين.. أن هناك لدينا مسؤولين محافظين جددا عربا.. ولكن هم وهميون بمعنى يعملون على طريقة اقتباس البرامج الغربية لتحويلها الى برامج عربية في التلفزيون كما تشاهدون.. هم يتقمصون شخصية المحافظين الجدد.. ولكن هم كالعملة المحلية أيضا.. مرتبطون بهم.. يفشلون معهم وينجحون معهم.. فهذه الحالة موجودة لدينا في العالم العربي.. علينا أن نرصدها بدقة.. ولكنها ليست حالة عقائدية وانما حالة وهمية مؤقتة.

طبعا هناك ايضا من العوامل الايجابية التحولات التي تحصل في أمريكا اللاتينية.. هذه الدول مرت بظروف مشابهة للدول العربية من الناحية الاجتماعية والتاريخية ولكنها في النهاية تطورت لم تكرر التاريخ كما كررناه أخذت اتجاها واضحا وانتقلت هذه العدوى مباشرة الى هذه الدول بشكل كبير.. أيضا هناك تحولات مشابهة نوعا ما في آسيا بمعنى ان الضغط علينا كعرب من خلال مفهوم العزل يعني كأنهم يريدون أن يقولوا لنا إن قدركم هو الغرب.. لا.. الغرب ليس قدرنا نستطيع التوجه شرقا.. جنوبا.. سياسيا واقتصاديا وعلميا وبكل هذه المجالات.نستطيع أن نحقق هذه الاشياء.. عندها الغرب سيأتي لنا يقول نحن بحاجتكم وليس العكس.. علينا أن نؤكد دور الأحزاب في هذه النقاط التي أطرحها لعدة أسباب..

أولا في ظل فشل الحكومات أنتم لديكم الدور الاساسي في ظل قربكم أكثر منا كرسميين وكحكومات في الشارع العربي ومعرفتكم بنبضه وفي ظل حريتكم.. هنا حالة موضوعية.. أنتم أكثر حرية من أية حكومة.. مهما تكن هذه الحكومة واضحة.. لأن الحكومات والرسميات تفرض قيودا وحسابات تختلف عن حساباتكم أنتم غير الرسميين.. ففي ظل كل هذه العوامل دوركم قد يكون أهم من الحكومات والمسؤولين.. أولا فكرة التضامن العربي.. صحيح لا يوجد وضع عربي كما قلت.. ولكن أقصد على المستوى الرسمي واضح تماما.. خاصة بعد بدء الانتفاضة في فلسطين.. بأن الشارع موحد.. الحقيقة عندما غزت اسرائيل لبنان في عام /1982/.. كان اهتمامنا اكثر في كأس العالم في ذاك الوقت.. هذه حقيقة اليوم تغير الوضع.. الكل يتابع ما يحصل في فلسطين.. كان البعض ينزل مسيرات ابتهاجا في انتصار فريق على آخر.. اليوم المسيرات هي لأسباب وطنية وقومية في كل الساحة العربية.. لا أرى فرقا بين سورية والمغرب.. سورية والخليج في أبعد نقاطه.. سورية وأبعد نقطة في افريقيا في السودان على سبيل المثال في جنوبه.. فإذاً هناك تضامن عربي شعبي.. وهناك تضامن عربي حزبي.. نراه الآن في هذا التجمع الذي يتسع بشكل كبير خلال عشر سنوات.. الآن عمر هذا المؤتمر هو عقد من الزمن.. عدد كبير من الأحزاب انضم اليه وهذا يعني أن هناك توحدا.. كلما زدنا هذه الحالة من التضامن على مستويات مختلفة افقيا.. ازدادت عموديا.. الى ان يأتي يوم تفرض علينا كحكومات ان نتضامن ولو في البداية شكليا.. ومن ثم تتحول الى حالة عملية.. هذا الموضوع بحاجة لبعض الوقت.. وربما لكثير من الوقت.. ولكن لا بد ان نبدأ بهذه الطريقة.

النقطة الثانية هي دعم مفهوم المقاومة.. وأنتم كأحزاب مواقفكم مشهودة في هذا الاطار.. ولكن علينا أن نرى الطريقة العملية لتسويق هذا المفهوم بشكل أكثر فاعلية.. هذا له تفاصيل تستطيعون ان تدرسوها.. الثقافة.. الاعلام.. العمل السياسي.. تفاصيل أتركها لكم.

أيضا محاربة الاحباط والمحبطين.. كلنا نعلم أن الإحباط يفرض حالة من عدم الرؤية.. وبالتالي عدم القدرة على التحدث.. فعلينا أن نتحرك بشكل فاعل في هذا الاتجاه.. وأنا دائما في كل خطاب أحاول أن أركز على المصطلحات الموجودة.. الآن سنتحدث عن مصطلح واحد.. هو مصطلح العاصفة.. أنا تحدثت عن موضوع العاصفة في عام/2002/ في قمة بيروت.. وقلت اذا كنا نواجه العاصفة بالانحناء فلا يعني أن نقتلع جذورنا.. هم لا يطلبون منا أن ننحني فقط.. بل أن نقتلع الجذور.. ولكن اليوم نسأل هذا السؤال بعد أربع سنوات من ذلك الخطاب.. وبعد سنوات من طرح مفهوم العاصفة.. لأنهم دائما يقولون لنا عاصفة.. لكن العاصفة تمر.. لا يوجد عاصفة لا تنتهي.. ما هذه العاصفة المستمرة من دون حدود.. المطلوب ان نبقى في حالة انحناء.. هم لم يقولوا زلزالا.. لم يقولوا بركانا.. انفجار حريق.. دائما يقولون عاصفة.. نحن امتصينا هذا المصطلح في عقولنا ولم نعرف كيف نخرج منه.. ولم نفكر ما هو المصطلح البديل. اليوم نفكر بعد أربع سنوات.. اذا كانت عاصفة فعلينا أن ننتظر الخطر من فوق.. ولكن هذا الخطر لم نره بهذه الطريقة.. رأينا أن الخطر يأتينا من تحت الارض وليس من فوق الارض هو يأتي على شكل جرافة تريد ان تجرف التربة وتضرب الجذور من الاسفل.. القضية ليست عاصفة أنا أقول جرافة.. فإذا كنا نواجه العاصفة بالانحناء فكيف نواجه جرف الارض والتراب نواجهه بتقوية الجذور وبتمتينها وعندما ستصل هذه الجرافة الى هذه الجذور سوف تتكسر رغما عنها.. وعندها نعرف كيف نواجه هذه الجرافة.

اذا علينا أن ننتبه الى قضية الاحباط.. الإحباط يخلق لدينا من خلال مصطلحات.. المصطلحات تخلق حالة معنوية هذه الحالة المعنوية تؤدي الى نتائج مادية.. فعلينا أن ننتبه كثيرا للمصطلحات في الاعلام والكتب الثقافية.. لكي نتمكن من السير في الخطوات الاخرى التي تحدثت عنها.. علينا ان نتصدى بشكل حاسم لحالة الانحدار ولحالة الانهزام الفكري والنفسي والسياسي والثقافي.. الذي نراه الآن يسود عددا لا بأس به من وسائل الاعلام العربية ومن بعض الشرائح المثقفة والسياسية.

 التصدي لهذه التيارات هو شيء اساسي.. لأنه من دون التصدى لها سوف نصل للهزيمة المعنوية التي تؤدي لهزيمة سياسية عسكرية.. وهذا كان أحد أهداف الحرب على العراق.. وعشنا كلنا جزءا من هذه الحالة النفسية بعد الحرب مباشرة.. كنا نعيش في الاحباط.. كلنا نعرف كيف اثر فينا هذا الاحباط بشكل سلبي ونتائجه الملموسة الاخرى.

علينا ان نركز على نقاط الاتفاق الكثيرة والكثيرة جدا في عالمنا العربي والتي تشكل نسبة لا تقارن بنقاط الاختلاف التي أغلبها شكلي وغير جوهري وأنا أطرح عليكم ميثاق الأحزاب العربية الذي تم اقراره في عام /1999/.. هو منطلق هام جدا كلنا نتفق عليه وأعتقد أن أغلب الشرائح تتفق حول هذا الميثاق سواء كانت تنتمي لأحزابكم او لأحزاب أخرى او غير منتمية لأحزاب تنتمي لحكومات او لا تنتمي للحكومات.. أعتقد أنه منطلق جيد جدا كي ننطلق من خلاله.

هذه الصورة التي حاولت أن ألامس فيها بعض القضايا ولا أدخل في التفاصيل وأمر فيها على بعض العناوين وأضع فيها بعض المقترحات العامة ان سرنا فيها نستطيع من خلالها أن ننهض بمشروعنا القومي العربي.. وكما قلت في البداية وأؤكد هذا المشروع القومي لا يمكن ان ينهض ان لم يكن هناك ترابط بين العروبة والاسلام وكلنا نعرف كيف مررنا بمراحل من الصدام بين التيار القومي والاسلامي تحت عناوين سخيفة لا قيمة لها.. أيهما الوعاء الاكبر والاصغر وهذه الاشياء.. بنينا صراعا على هذه المصطلحات.. هناك ارتباط وثيق بين النقطتين والآن تجاوزنا كما أرى هذه النقطة وهذا المؤتمر يعبر عن هذه الحالة.. بهذه الطريقة فقط نستطيع ان نحقق المشروع القومي وهذا المشروع القومي لا أرى.. كما كثيرون لا يرون بديلا له لجمع عناصر الامة العربية الكثيرة والغنية التي تعبرون عنها أنتم.

في النهاية أريد أن أطمئنكم أن سورية قوية سورية متماسكة سورية واثقة من نفسها.. سورية تعرف البوصلة.. البوصلة الشعبية السورية والبوصلة الشعبية العربية وتعرف بوصلة الاعداء وتعرف المخططات وما هو المسار الذي سيسير به.سورية قوية بإمكاناتها وبمكانتها.. بشعبها.. وقوية بالشعب العربي.. قوية بمحبتكم ودعمكم وصمودكم.. وشكرا لكم.

sanlitun Dongsijie No.6 - 100600 Beijing - China

Tel: 10-65321372

Fax: 10-65321575

[email protected]